
آثار هيبة بيت قلاوون
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر، وكما ذكرت المصادر فترة حكم السلطان محمد بن قلاوون حتي وفاته وفتة حكم أولاده وأحفاده من بعده، وقيل أنه إذا كان أبناء الناصر محمد بن قلاوون وأحفاده قد تمكنوا من البقاء في الحكم أربعين سنة بعد وفاة الناصر نفسه، فإن ذلك لا يرجع إلى موهبة خاصة ظهرت في أحد أولئك السلاطين، وإنما كان مرجع ذلك هيبة بيت قلاوون نفسه في قلوب المعاصرين، وهي الهيبة التي وضع أسسها المنصور قلاوون، وازدادت نموا في عهد ولده السلطان الناصر محمد.
وبعبارة أُخرى فإن أبناء الناصر محمد وأحفاده عاشوا على السمعة الطيبة والمكانة الراسخة والشهرة الواسعة التي تركها الناصر محمد بالذات في قلوب معاصريه، رغم أنه كان من هؤلاء الأبناء والأحفاد من لا يستحق الملك لضعفه أو سوء خلقه أو صغر سنه، خلال العشرين سنة الأولى التي أعقبت وفاة الناصر محمد، وتولى منصب السلطنة ثمانية من أولاده، وفي العشرين سنة التالية، تولى المنصب أربعة من أحفاده وبعض هؤلاء الأبناء والأحفاد تولى منصب السلطنة وعمره عام واحد مثل الكامل سيف الدين شعبان، كما أن بعضهم لم يبقي في الحكم إلا شهرين وبضعة أيام، مثل الناصر شهاب الدين أحمد، وشهدت هذه الفترة من حياة الدولة المملوكية إضطرابات وعدم إستقرار وفوضى، تركت أثرها واضحا في جميع نواحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
وزاد من أحوال البلاد سوءا في ذلك الدور إنتشار وباء خطير عرف باسم الوباء الأسود سنة سبعمائة وتسع وأربعين من الهجرة، أي في عهد السلطان الناصر حسن بن محمد، فمات كثير من الناس، وتأثرت الحياة الاقتصادية أسوأ أثر حتى كادت تتوقف تماما، وتوقفت الأحوال بالقاهرة وسائر مصر، ووقف خلف كل سلطان من أبناء الناصر محمد وأتباعه أمير أو أكثر من كبراء أمراء المماليك، بحيث طغت شخصية أولئك الأمراء على السلاطين، واستغلوهم لتحقيق مصالحهم الخاصة، فنجم عن ذلك إزدياد المنازعات فيما بينهم، وتحكمهم وإستبدادهم بشؤون الدولة والعباد، ويلاحظ أن بعض الأمراء سالفي الذكر كان من المماليك البرجية الشراكسة، ومن أبرزهم سيف الدين برقوق، الأمر الذي يدل على إزدياد نفوذ تلك الطائفة، مما أدى إلى تمكنهم من إنتزاع الحكم لاحقا.
وهذا عن الأحوال الداخلية لدولة المماليك في عصر أبناء الناصر محمد وأحفاده، أما في الخارج فإن إضطراب أحوال البلاد وعدم وجود رجل قوي مهيب الجانب على رأس دولة المماليك، أفقد تلك الدولة مكانتها وهيبتها التي كانت قد بلغت أوجها على عهد السلطان الناصر محمد، ولم يلبث أن إستخف الأعداء بدولة المماليك وطمع الطامعون في أراضيها، بل تجرأ الصليبيون على غزو مصر ذاتها سنة سبعمائة وسبعة وستين من الهجرة، والمعروف أن الحروب الصليبية لم تنتهي بإسترجاع المسلمين عكا سنة سبعمائة وتسعين من الهجرة، وبطرد آخر البقايا الصليبية من الشام، وإنما إستمرت تلك الحروب في صورة أو أُخرى حتى نهاية القرن الخامس عشر للميلاد تقريبا، وإتخذت لها أكثر من ميدان في المشرق والمغرب جميعا، وفي ذلك الدور من أدوار الحروب الصليبية.
آثار هيبة بيت قلاوون
اتخذ ملوك قبرص الإفرنج من آل لوزنيان جزيرتهم قاعدة كبرى لتهديد السفن والمتاجر الإسلامية في شرق حوض البحر المتوسط، فضلا عن القيام بغارات جريئة على بعض الموانئ الإسلامية وموانئ دولة المماليك بوجه خاص.